رغم كل المحاولات الصادقة والمخلصة من قبل الثوار لنجاح ثورتهم , لكن
يواجهها خطر كبير جدا الا وهو ذيول الفساد التي ان لم تستطع ان تقضي
عليها فسوف تقضي علي ثورتك , مهما اخذت الخطوات للاصلاح وللبناء فسيسعون
ورائك لتدميرها ضمانا لبقائهم الفاسد في السلطة .
فالسؤال هنا ما هي عوامل فشل اي ثورة في التاريخ ؟
تكمن الفكرة هنا في ثلاثة جوانب هامة جدا :
اولها وثانيها : من جانب الشعوب و القائمين علي الحكم في مرحلة ما قبل استقرار الدولة :
يتخيل الناس ان الثورة انتهت بمجرد ازالة راس النظام الفاسد وهذا خطأ
شائع يقع فيه البعض فالثورة لن تنتهي سريعا ولن تستقر الدولة بين ليلة
وضحاها ,لكن الحكام في ذلك الوقت يهيئون للناس هذا ,فيعلنوا انضمامهم
للثورة حتي ولو كانوا اداة قديمة من ادوات النظام الذي سقط لذلك يستجيب
الناس علي اثر ذلك لدعوات الاستقرار الوهمية من قبل الساسة .
ويعد هذا الوقت من اخطر الاوقات علي الاطلاق حيث يبدأ القائمون علي ادارة
شئون البلاد في مرحلة ما قبل الاستقرار بالتشويه المتعمد للثوار وخاصة اذا
بدأ الاخير بانتقاد الاول و الاساليب التي يدير بها شئون البلاد.
تبدأ سلسلة لاتنتهي من الاتهامات والتخوين والعمالة لاحكام السيطرة علي
الراي العام , واقناعهم انه الحارس الامين علي الثورة وضرب الامثلة بثورات
اخري قام حكامها بإبادة شعبها لاحكام اللعبة السياسية .
واستخدام سلاح الفتنة سواء علي المستوي الطائفي او الرياضي او الحقوقي
لانه سلاح قاسم يصب في مصلحته ويوحد الصف ورائه ضد الثوار .وكما قال هتلر "
اذا اردت السيطرة علي الناس أخبرهم انهم معرضون للخطر,ثم حذرهم ان امنهم تحت التهديد, ثم خون معارضيك وشكك في ولائهم ووطنيتهم".
ثالثها : من جانب الثوار :
يري الشباب ان الثورة مستمرة ولديها اهداف لابد ان تتحقق ليس فقط سقوط
راس النظام فذيوله اهم ولابد ان تسقط , فتصطدم الرؤي بين الشعب والشباب
والذي يصعب الامر علي الناس هو عدم وجود جبهة موحدة ناطقة باسم الثورة مما
يغذي احكام فتنة الساسة ضدهم .
واليكم مثال هام للغاية لما سبق ذكره , ثورة لم تكلل بالنجاح تجربة مريرة لسيطرة ذيول الفساد علي دماء الكرامة .
بدات قصة رومانيا عندما فاض الظلم في حكم تشاوشيسكو , الذي استعبد وذل
ابناء شعبه , كان نظام حكمه بوليسي مستبد, حيث استخدم مع شعبه سياسة
التقشف والتفقير والتجهيل حتي وصلت درجات التقشف الي قطع التيار الكهربي
لفترات طويلة للتوفير واختزال قنوات التلفزيون الرسمي الي قناة واحدة تبث
ساعتان في اليوم ذلك لتسديد ديون البلاد في فترة وجيزة , كما انه ارهق
ميزانية الدولة من خلال تنفيذ مشاريع من اجله لاتعود بالفائدة علي البلاد
والتنكيل بمن لا يمتدح الحزب الشيوعي الحاكم انذاك.
استمر الوضع في البلاد لسنوات عديدة , وكان يعتزم ان يولي نجله شئون
البلاد من بعده , ورتب الامر لذلك , لكن اتت الرياح بما لاتشتهي السفن
وبدات ثورة مجيدة في البلاد تستعيد كرامة الشعب مرة اخري بعد التنكيل بهم ,
كانت علي مرحلتين , الاولي الثورة العارمة وتكاتف ابناء الشعب جميعا,
الثانية تخوين الثوار وافتعال الازمات للخلاص من الثورة نهائيا , ذلك لانه
اذا كان من يحمي الثورة لصا او فاسد فلن يحمي الا نفسه ومن حوله من
الفاسدين خوفا علي وجودهم والهجوم علي اي شئ يهدد امنهم .
فكانت المرحلة الاولي من الثورة علي النحو التالي:
بدات في رومانيا تظاهرات للمطالبة بالحياة الكريمة والحقوق والتي واجهتها
قوات الامن وحاولت فض التظاهرة و لكن كان الوقت قد فات لذلك, كسر حاجز
الخوف وجابت شوارع البلاد ثورة عارمة من اجل الحـرية والعيش الكريم ,
وبطبيعة الحكام المستبدين الازلية استخدم القمع ضد الثوار من اجل اخمادها
فأرسل قوات الامن التي تعاملت بشكل وحشي وقتلت اعداد كبيرة منهم .
فشل حاكم رومانيا في السيطرة علي الاوضاع , وصعد العمال من مواقفهم
باضرابات عارمة وهددوا بتدمير المصانع ان تعرض احد لهم وتظاهر نحو 80 الف
عامل وبدات سلسلة من العصيان المدني في انحاء رومانيا ,
اراد تشوشيسكو ان يهدا العمال- لماذا العمال تحديدا سيتضح لكم الاهمية
خلال تسلسل الاحداث - فقام بالقاء خطاب اليهم واعدا اياهم بأصلاحات
وزيادة اجورهم لكنهم قابلوا بالرفض التام , ثم حدثت خلافات بين تشاوشيسكو
والجيش حيث رفض الجيش النزول الي اماكن الثوار وقصفهم , مما ادي الي هتاف
الجماهير "الجيش مؤيد لثورتنا ", حاول وزير الدفاع في الجيش ان يرجع الجيش
الي ثكناته حيث كان سقوط تشاوشيسكو بداية لاتساع نفوذ المؤسسة العسكرية في
رومانيا فأراد ان يبعد عن اي احتكاك بالثوار لكن قوات الامن التابعة
لتشوشيسكو اغتالته مما ادي حدوث انقسام في الجيش , فقرر تشوشيسكو وعائلته
الهرب لكن قبض عليه واعدم هو وزوجته ايلينا رميا بالرصاص امام شاشات
التلفاز, لم تستمر المحاكمة اكثر من ساعة .
بدات المرحلة الثانية من الثورة الرومانية وكانت الاخطر علي الاطلاق والتي
شكل فيها جبهة انقاذ وطني مؤقتة " حكومة انتقالية " وكان رئيسها اليسكو
والعجيب انه كان مساعد تشوشيسكو الوفي حيث كان مشارك في الحزب الشيوعي
وعضوا في لجنته المركزية عام 1965, مع بداية السبعينيات تم تهميشه من قبل تشوشيسكو .
وعد اليسكو بالاصلاحات الكثيرة , ونادي بتسليم الاسلحة للجيش من اجل حفظ
الامن في البلاد مرة اخري , لكن الثوار كانوا يتابعونه بحذر لانهم لم ينسوا
انه كان ممن تشربوا بسياسة تشوشيسكو الغادرة فقام بتبني الانفلات الامني
داخل البلاد , بدلا من تحقيق اهداف الثورة , شعر المواطن بعدم الامن في
بلاده لانتشارالسرقات والمداهمات للمنازل والمؤسسات الخ
و لجأ اليسكوا سرا الي العصابات المسلحة من اجل مهاجمة منازل المدنيين
والمؤسسات الهامة وعلي راسها مبني التلفزيون والداخلية وقام بالصاقها في
الثوار ونشر الهلع حيث واجه الجيش هذه العصابات مما عم الفوضي في ارجاء
البلاد , وكان مخطط واضح لازهاق روح الثورة حيث قاد حملات تشويه واسعة ضد
ثوار رومانيا واصفا اياهم بالعملاء الممولين من الخارج من اجل تخريب
وتقسيم البلاد , ساعده في ذلك الاعلام الفاسد الذي تبني حرب شعواء علي
الثوار وحشد الراي العام ضدهم , بالاضافة الي اساليب اخري للضغط كارتفاع
الاسعار واتباع سياسة ان الثورة سبب فيما انتم فيه من فوضي تمهيدا للقضاء
عليها نهائيا .
بدا اليسكو باحكام التضييق علي الثوار حيث قام بمنع مظاهرة حاشدة في
بوخاريست , ذلك لان الثوار تنبأوا بخداعه للثورة , رغم قيامه بتعدد الاحزاب
السياسية لكن الاخطر من ذلك ان النظام الفاسد ظل كما هو علي حاله حيث بقي
المسئولين في الدولة كما هم بالاضافة الي الضباط القتلة والفاسدين,ظل كل
الموالين للنظام السابق في مراكزهم دون تغيير بل والادهي ان حزب تشاوشيسكو
السابق تولي مراكز هامة في جبهة الانقاذ الوطني بعد قيام الثورة .
تيقن وقتها الثوار ان الثورة سرقت وان اليسكو خدع الشعب الــروماني باكمله
, فبدا الثوار الذين قل عددهم للمئات بالاعتصام المفتوح واصبحوا
والتظاهرات تركهم اليسكوا لحين الانتهاء من الانتخابات .
وبدات الانتخابات البرلمانية ومن ورائها الرئاسية وبذلك سارت الثورة في
مسارين متعارضين بين من عارض الطريقة التي ستتحول بها البلاد وبين من
انخرط في الانتخابات وشكل حزب للخوض فيها ,تمت انتخابات الشيوخ والنواب
وفاز فيها جبهة الانقاذ الوطني بأغلبية ساحقة وكان اليسكوا هو رئيسهم ,
تزايدت حدة الغضب من قبل الثوار وتم تصعيد الاعتصام وانخرط الثوار في
مواجهات عنيفة " مرددين العيش بشرف او الموت بعزة " الذي ايده بعض قيادات
داخل الجيش ولكن قام اليسكوا بعد الانتخابات مباشرة بفضه .
ذلك لانه بعد تشويه سمعة الثوار كما ذكرنا سابقا , كرههم الناس واشارت
اصابع الاتهام لهم بالتخريب , احكم اليسكوا مخططه فلجأ الثوار للتصعيد ذلك
لان الانتخابات كانت مزورة , فاتبع اليسكوا طريق اخر للقضاء نهائيا
وعرقلة مسار الثورة
وهو توجيه النداء للعمال وحشدهم ضد الثوار مبينا لهم ان الثوار يسعون
لتدمير البلاد وانهم يعتبرون انفسهم افضل منكم وان العمال هم وحدهم
القادرين علي وقف مسلسل تخريب الاقتصاد الروماني .
اثار غضب العمال وقام بتسليحهم لسحق الثوار ووضعهم في مواجهة الثوار خاصة
عمال المناجم الذي كان لهم دورا هاما في قتل الالاف من ابناء شعبهم من
الاحرار , وبعد ان عادوا مخلفين ورائهم القتلي والجرحي , طالبوا الحكومة
بزيادة الاجور فلم تستمع اليهم
انتهت الانتخابات الرئاسية والتي فاز بها ايوان اليسكوا لفترتين رئاسيتين
وبذلك سيطر الفساد علي الثورة ودخلت البلاد في حقبة ضبابية ولم تكتمل
الثورة.
فياتري متي نتعلم من دروس التاريخ ونحافظ علي ثورتنا وننتبه جيدا ونقارن ونصحو قبل فوات الاوان ؟
بــقــلـم :
شيماء شعبان